languageFrançais

فاجعة بئر الباي... العنف في الشوارع إلى أين؟

براكاج ينتهي بمقتل الضحية... مشهد صدم التونسيين في أكثر من مرة خاصة خلال العشرية الأخيرة..آخرها حادثة محطة الأرتال ببئر الباي والتي راحت ضحيتها فتاة في السن 18 جراء اصطدامها بقطار الضاحية الجنوبية أثناء تصديها لمنحرف افتك منها حقيبتها، وأمام دفاعها عن نفسها  حاول التخلص منها بدفعها بقوة مما أدى الى فقدانها توازنها وسقوطها على السكة تزامنا مع مرور قطار صدمها وأدى إلى وفاتها..

بعد ساعات من الفاجعة أعلنت وزارة الداخلية عن القبض على المشتبه به البالغ من العمر 25 سنة، والذي تحصّن بالفرار بمنزل أحد معارفه.
 
هذه الحادثة أعادت للأذهان وفاة الشاب فراس منذ أشهر قليلة بعد تعرضه لعملية براكاج وقبله شاب آخر في سوسة تلقى طعنة قاتلة عندما حاول التصدي ومقاومة منحرف حاول سرقة هاتفه.

و في 2021 فارق عون من الصوناد الحياة بعد عملية براكاج وشاب وغيرهم العديد من التونسيين الذين ذهبوا  ضحية عنف المنحرفين والمجرمين الذين اخذوا من الشارع مرتعا لعمليات السلب والسرقة وحتى القتل.

يؤكّد الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع والوزير الأسبق مهدي المبروك في تصريحه لموزاييك أننا لم نحقق أي تقدم في مسألة محاصرة ظاهرة عنف الشارع وهو ما يولد الإحساس بغياب الأمن والطمأنينة لدى المواطن خاصة مع تتالي مثل هذه العمليات الشنيعة والتي يكون لها أثر سلبي جدا على نفسية الناس.
 
وقال المبروك إن العنف في جغرافيته اليوم يتوزع أساسا على مكانين اثنين، المنزل أولا وعنف الشارع ثانيا أي الأماكن العمومية (الشارع، وسائل النقل العمومي وحتى المقاهي والملاهي)، مذكرا بحادثة وفاة الشاب آدم بوليفة في أحد ملاهي العاصمة.

 وقال المبروك إن عديد الجمعيات ومكونات المجتمع المدني إضافة إلى مصالح وزارة المرأة والتي تشتغل كلها اليوم على مسالة العنف الاسري والعنف المسلط على المرأة والطفل خاصة يقابله فراغ إعلامي ومؤسساتي وتربوي في محاصرة وإيقاف نزيف عنف الشارع مشددا أن هذا الأخير يستحوذ على نسب مرتفعة وهو ما يشعر به التونسيون.
  
 ويشير تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية الذي صدر في جوان 2020 إلى أنّ منسوب الجريمة المنظمة في الفضاءات العامة في تونس شهد ارتفاعا ملحوظا من مجموع حالات العنف المرصودة تجاوزت عتبته الـ52 في المئة.

وذكر التقرير الذي صدر تحت عنوان “الاحتجاجات الجماعية والانتحار والعنف”، أن حوادث الجريمة تنوعت بين السرقة وجرائم القتل، وذلك استنادا لعينة الرصد المتكونة من مجموع الصحف اليومية والأسبوعية المحلية والمواقع الإلكترونية.
 
غياب استراتيجية وسياسات وطنية لمكافحة عنف الشارع
 
وأشار المبروك أنه إلى حد الآن لم تشهد بلادنا لا تحت اشراف وزارة الداخلية ولا وزارة الشؤون الاجتماعية ولا غيرها من الوزارات أي مؤتمر علمي او سياسات وطنية للاهتمام بمحاربة هذه الظاهرة.

التمشي نفسه بالنسبة للطيفة التاجوري الباحثة في علوم الجريمة والوقاية من الانحراف، التي أكدت لموزاييك أن درجة تواتر الجريمة في تونس أصبحت مرتفعة وارجعت ذلك الى جوانب تتعلق بتركيبة الشخصية واضطراباتها ودوافع أخرى خارجية مرتبطة بالجانب الاقتصادي او الاجتماعي او غيرها.

وشددت التاجروري من جانب آخر أن ربط الجريمة أساسا بالفقر والتهميش فقط أصبح من نظريات الماضي بما أن الواقع أصبح يكشف اليوم حسب قولها أن الجريمة تشمل كل فئات المجتمع والدليل هو انتشار ظاهرة البراكاجات على كامل التراب التونسي.

نفس الخلاصة بالنسبة للباحثة في علوم الجريمة والوقاية من الانحراف، المعضلة الأساسية هي غياب الاشتغال على الجانب الوقائي وأن المقاربة اليوم هي أمنية فقط مع غياب أي معالجة للجانب النفسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي داعية إلى وضع استراتيجية وطنية لمقاومة السلوك الإنحرافي.
 
ناهد الجندوبي